• ١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل هي الحرب العالمية الثالثة التي طال انتظارها؟

باسم حسين الزيدي

هل هي الحرب العالمية الثالثة التي طال انتظارها؟

هل من المبكر لأوانه الكلام عن تشكل ملامح حرب عالمية ثالثة لاحت في الأفق القريب، ربما طال الحديث عنها في أدبيات الحرب والسلام العالميين؟ أم انّ الحديث عنها قد يكون مجرد هوس ينقلنا إلى نظرية المؤامرة والجانب المظلم من إدارة الصراعات العالمية؟

في الحربين العالميتين (الأولى والثانية) نشبت الصراعات فيهما لأسباب استعمارية (سياسية) وأيديولوجية واضحة، ربما كانت أسباب كلاسيكية في زمن النهم الاستعماري والامبراطوريات التوسعية في أوربا وآسيا والشرق الأوسط، وقد كانت تلك الحروب عالمية بمعنى الكلمة (على حد وصف الفيلسوف الألماني أرنست هيكل)، لما خلفته من دمار واسع عانت منه الأجيال التي زامن الحدث، إضافة إلى الأجيال اللاحقة، وعلى الرغم من قصر طول الحربين العالميتين نسبيا، في حال تمت مقارنتهما مع حروب أخرى استمرت لعقود من الزمن.

الحرب المفترضة، والتي يجري الحديث اليوم عنها، ووضع الخطط الاستراتيجية طويلة الأمد لها، إضافة إلى التحشيد والتأييد الدولي غير المسبوق، هي الحرب ضد الإرهاب والجهاد العالمي، والذي أثارته قضية صعود نجم تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/داعش)، وسيطرته على أراضي واسعة (فاقت مساحة عدة دول مجتمعة) في العراق وسوريا، وإعلانه الخلافة الإسلامية على أراضيها، إضافة إلى تحول أنظار المتطرفين حول العالم إلى الانتصارات العسكرية التي حققها ضد جيوش عربية، والتي عززت من رغبة الانضمام إليه (تحت حلم الخلافة)، من دون أن يغيب عن البال، المكانة المالية الجيدة التي يتمتع بها التنظيم، والتي فاقت كلّ توقعات الخبراء ووكالات الاستخبارات العالمية، بعد أن أصبح بإمكانه الحصول على الاستقلال المادي، من دون الخوف من فرض حصار على مصادر التمويل الخارجي التي عادة ما تلجأ إليها التنظيمات الجهادية الأخرى. 

ربما المفارقة (في حال تم إدراجها في سياق حرب عالمية ثالثة قادمة) تكمن في أوجه الشبه والتقارب الكبيرة مع الحربين السابقتين، والتي اكتشفها من يدعو إلى هذه الفرضية في بطون الكتب، ودروس التاريخ المستقاة من هذه الأحداث العالمية، والتي يمكن ذكر بعضها:

1-  لم تقتصر الحربين على دولتين محددتين، وانما كان هناك تحالف دولي وأخر مضاد له، ومن هنا جاءت عالميتهما، بالمقابل فانّ التحالف الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية ضم العشرات من الدول، (وما زال يتسع بمرور الوقت)، في قبال تنظيم الدولة الإسلامية التي بدئت تكسب هي الأخرى تحالفات جهادية، بعد أن أعلنت عدد من التنظيمات في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، تأييدها أو مبايعتها للتنظيم، بوجه ما اسمته "الهجمة الصليبية التي تستهدف الإسلام"، إضافة إلى التقارب الحاصل بينها وبين أعداء الأمس (جبهة النصرة، طالبان، وربما قريباً القاعدة) بسبب استهدافها من قبل التحالف الدولي.

2-  صحيح انّ الصراع في الحربين العالميتين كان لأسباب استعمارية أو توسعية، إلا انّ المحرك لهذه الأسباب حركات ذات أيديولوجيات متطرفة (حركات دينية، قومية، عرقية)، وهو ما نراه في وقتنا الراهن، مع بروز حركات الجهاد العالمي، التي تحاول فرض عقيدتها الدينية المتشددة وفق تصوراتها الخاصة بالقوة، إضافة إلى تنامي العداء الطائفي والعرقي، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

3-  غالبا ما رافق الحديث عن تنظيم الدولة الإسلامية قدرته الواقعية على تغيير خرائط الشرق الأوسط وإتفاقية (سايكس-بيكو عام 1916)، وانّ هناك شرق أوسط جديد، بعد أن محى التنظيم الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا، إضافة إلى طموحاته (بعد أن نشر التنظيم خرائط جديدة لطموحاته التوسعية وشملت معظم قارات العالم مصبوغة باللون الأسود لعلم التنظيم) التوسعية التي لا تعترف بالحدود الإدارية بين البلدان، وهو أمر مشابه لما حدث قبل وبعد الحربين العالميتين، والتي انتهت بإعادة تقسيم الغنائم (الدول) بين المنتصرين بعد أن تم اقتطاعها بالقوة من الخاسرين.

حقيقة أم وهم

طبعاً ليس المقصود في فرضية المؤيدين لانحدار العالم نحو حرب عالمية ثالثة، أن تنطلق أسلحة الدمار الشامل من مكامنها لتفنى البشرية بعدها، ويتحول كلّ شيء إلى رماد، كما الحرب النووية التي تخوف منها الكثير (مع العلم انّ التنظيمات الجهادية لن تتردد في فعل ذلك لو وجدت إليه سبيلاً)، وانما المقصود هو البحث عن تقارب النتائج والمعطيات التي قد تخلفها هكذا حروب اكتسبت صفة العالمية مع مثيلاتها التي غيرت مسار التاريخ، لأنها استطاعت تغيير واقع سياسي واقتصادي واجتماعي إلى واقع جديد فرضته من خلال شمولية الصراع وإرادات المنتصرين.

ويبدو انّ طبيعة الصراع بين الإرهاب والتحالفات التي شكلت، وبحسب التصريحات الرسمية وآراء الباحثين والخبراء، لن تكون من النوع العابر أو السهل (إذ انّ الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت الحرب على الإرهاب بعد استهداف برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، وغزت لأجلها أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، والعراق عام 2003، من دون أن يصل المدى إلى الحرب المفتوحة على كلِّ الاحتمالات كما يحدث الآن)، خصوصاً بعد أن تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من مفاجأة خصومة وتغيير طبيعة التكتيكات التي عادة ما تلجأ إليها هكذا تنظيمات متطرفة في صراعاتها التقليدية ضد الأنظمة والدول، إضافة إلى وجود العديد من القضايا العالقة، والتي من شأنها أن تزيد من تعقيد المشهد العام، وقد تأتي بنتائجها العكسية على خصوص الشرق الأوسط والعالم عموما، فما زالت إيران وملفها النووي يتأرجح بين السلب والتعقيد، وما زالت تركيا تحاول اللعب على طريقتها الخاصة، إضافة إلى المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الشرق الأوسط في البحرين واليمن ولبنان ومصر وليبيا وغيرها، ومن دون نسيان الحروب التي تجري بالنيابة بين دول أقليمية، أشار نائب الرئيس الأمريكي (بايدن) إلى أسماء البعض منها، وتحفظ على أسماء البعض الآخر.

بالنتيجة فانّ منطقة الشرق الأوسط، وبحسب المعطيات والمؤشرات التي تتجمع في كلِّ لحظة، يمكن القول انها قابلة للاشتعال، مثل برميل البارود، (كما أشار بعض المحللين)، وقد تصل تداعيات هذا الانفجار إلى مناطق واسعة من العالم، مثلما يحدث راهنا، بعد أن فقدت أوربا السيطرة على مواطنيها المتطوعين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى عموم القارات الأخرى، والذي دعاها للخروج من هذا المأزق لتشكيل تحالفات أخرى، على غرار التحالف الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية (بعد أن تعهدت نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون في الثامن من أكتوبر الجاري، بتشكيل تحالف للتصدي للخطر الذي تشكله جماعة بوكو حرام المتشددة في نيجيريا، فيما أعلن زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو دعمه وتأييده لأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية)، الأمر الذي قد يعني الإيذان بحرب التحالفات المفتوحة على كلِّ الاحتمالات.

 

ارسال التعليق

Top